الاثنين، 4 يناير 2016

الحب الكاتاري والمخزون الانفعالي والنهايات الحدية ..

الحب الكاتاري والمخزون الانفعالي والنهايات الحدية ..

إلى تلكـ الخالدة التي لن تأتي

في أمان الله وحفظة, كنت أواصل قراءة كُتب الباحث والمفكر فهمي جدعان, بعد أن قرأت له عدة كتب وأعجبني منهجه البحثي وحياده ومنطقيته, وأنا اقرأ كتابه (( الطريق إلى المستقبل: أفكار – قوى للأزمنة العربية المنظورة)) وهو كتاب يقع في خمسة فصول (( هواجس التفسير والجدوى – نقد الفعل – المؤتلف والمختلف – الإسلام في العاصفة- التواصل )) يتحدث فيها عن واقع الأمة العربية ودور الإسلام في نهضة الأمة ...الخ من القضايا الفكرية.
فجأة (( وهذا مربط الفرس)) وإذا بي, أجد الرجل غير نبرة الصوت, بدأ يتحدث عن الحب والهوى والعشق, طبعاً جاء بشكل تسلسلي جداً, في فصل التواصل تحدث عن العلاقات الحضارية والأممية, ثم الاجتماعية, ثم الأسرية, ثم الزوجية, وفجأة دخل في علاقة الرجل والأنثى والحب والهوى!
طبعاً جاء الحديث مثيراً, وكعادة فهمي جدعان ((صاحب الطاقة البحثية المذهلة)) يرجع في الموضوع لمراجع شتى, طوق الحمامة لابن حزم, روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن قيم الجوزية, نهاية الأرب في فنون العرب للنويري, روضة التعريف بالحب الشريف للسان الدين الخطيب, ذم الهوى لابن جوزي, أسطورة تريستان وإيزولدا, وتحدث عن أفكار ((دي روجمون)) في الحب العذري, والحب "الكورتوازي" والجو الديني "الكاتاري" في الحب, وأقوال فرانسيه كيريه, وأقوال ماكس باجيس, والحب الصوفي وفكرة الامتزاج والتوحد, كانت صراحة 20 صفحة مذهلة, تأريخ للحب من وجهة نظر مفكر عريق.
أتمنى ألا يخدع أحد بالادعاءات الكاذبة للحب, تأكد هل الحب "كورتوازي" و " كاتاري" أو حب نفعي واحتيازي, أو كما قال سارتر (( الأصل بالحب أنه صراع بين حريتين إذ يرغب المحب في الاستحواذ على حرية المحبوب والسيطرة عليها)), وتأكدوا من إشكالية (( تمزق النسيج الزمني)) أو ((الرفض العاطفي للزمن )) كما قال بروست, كما عليكم الحذر من ((انقضاء دواعيه النفعية)) ولا تصدقوا الزعم القائل بموت الحب, لقول أرسطو (( إن حباً أمكن أن ينتهي لم يكن يوماً حباً صادقاً)) واحذروا أيضاً ((النهايات الحدية)).
خلاصة القول كما يلخصها فهمي جدعان (( قد يستنفد الحب مخزونه الانفعالي ويفقد سمة الكثافة أو الاشتداد والاستمرار أو الديمومة, لكن الصداقة لا تستنفد ذلكـ لأنها غير مرتبطة في جوهرها بما به علائق الحب من قسر وواجب ورغبة جنسية. لا بل إن علائق الحب نفسها حين يكتنفها الضجر والملل والسأم والضيق لا تجد لها من منفذ إلا في الصداقة)).
ثم يختم بقوله (( لم تكن الإفاضة في بعض وجوه هذه العلاقة وتلكـ إلا على سبيل التذكير الجدي بهما ولغاية صريحة هي المبادرة إلى بث استراتيجية معرفية واعية بالمعنى الجوهري لهذه الأحوال, وإلى الإبانة عن طبائع هذه العلاقات وعن دلالتها القصوى في تقويم الوجوه البنائية للروح التواصلية في حياتنا العربية التي تتفجر مظاهر خيبة الأمل في كل جنباتها. لقد فقدنا في العقود الأخيرة معاني هذه الروح. فقدنا معنى الحب حين لم نعد نتبين فيه إلا احتياز منافع ذاتية خالصة لوجودنا الزمني العابر. وفقدنا معنى الصداقة حين لم نعد نفهم منها إلا تبادل خيرات مادية وتحقيق أهداف محدودة تتعلق بنا وحدنا )).


نقلاً عن موقع (aljasd.net).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق